إعلانات

أزمة دبلوماسية خانقة بين الجارتين : الجزائر و مالي ( الأسباب و الخلفيات )

أربعاء, 31/01/2024 - 23:29

لقد وصلت العلاقات بين الجزائر ومالي أخيرا إلى مرحلة القطيعة، عندما أعلنت باماكو انسحابها من اتفاقية الجزائر، مفيضة بذلك كأس العلاقة المضطربة بين الطرفين.

ولم يكن الإقدام على هذه الخطوة مجرد قرار مرتجل، بقدر ما كان تحولا مهما في مسار من التأزم تصاعدت مراحله وخطواته خلال السنوات الثلاث المنصرمة، خصوصا بعد أن ظهرت الجزائر داعما أساسيا أو " محتفيا" على الأقل أكثر من المتوقع بالشخصية المعارضة الإمام محمود ديكو المعروف بأنه " خصم لقائد المرحلة الانتقالية في باماكو العقيد عاصيمي كويتا.

وطالما نظر المحللون في المنطقة إلى أن الجزائريين أولوا سرعة في اتخاذ القرار وحسم في السلام والقطيعة، لكن كويتا – على ما يبدو- بات أكثر حسما من الجزائريين، وأكثر قدرة على خلط الأوراق التي كانوا يعملون بها في تدبير علاقتهم مع مالي التي يربطهم بها أكثر من التاريخ والجغرافيا.

 الأزمة السياسية بين الطرفين الأوراق المخفية في  التوتر بين الطرفين، ومن أبرزها:

-   محاولة  فرض الأمر الواقع في أزواد، وهو المسار الذي ظلت الجزائر تتصدى له بشكل دائم، شأنها في ذلك شأن التعامل مع حالة الصحراء الغربية، ويذهب المراقبون الأزواديون إلى أن للجزائر يدا فاعلة في منع قيام دولتهم المستقلة،  رغم أنها تصر على قبول  الصحراويين لأقل من الاستقلال، في المقابل  لا تحبذ الجزائر قيام تلك الدولة المستقلة النائمة على بحار من الثروات الغازية والنفطية، والتي ستكون عنصر ضغط ومنافسة قوية للجزائر، وعنصر تأثير قوي في التركيبة العرقية المشتركة بين الطرفين، وفي مقابل ذلك تسعى الجزائر دائما إلى وضع اليد على الشمال وعلى أن تكون شريكا أساسيا في السلم والحرب هنالك، وهو ما لا يروق الآن للحكام العسكريين الجدد، الذين يمنون أنفسهم بسيطرة – صعبة للغاية – على كامل الشمال.

-   موقع النفوذ الروسي: رغم أن روسيا صديق وحليف قوي للجزائر، إلا أن جنرالات تبون ورفاقه باتوا مستائين جدا من تصاعد النفوذ الروسي في المنطقة، وانتقد الرئيس تبون ما تنفقه الحكومة المالية على كتائب فاغنير، معتبرا أن هذه المبالغ الكبيرة التي تدفعها باماكو للمرتزقة الروس، بإمكانها تنمية الشمال، وهو الموقف الذي أثار غضب باماكو بشكل متصاعد.

التدخل في الشأن المالي.. هكذا توترت العلاقة

وصفت مالي التصرفات الجزائرية باستقبال قادة الحركات الأزوادية المناوئة لحكومة باماكو واستضافة شخصيات معارضة أخرى مثل الفقيه محمود ديكو بالتصرفات المعادية والتدخل المتصاعد في الشأن الجزائري، فيما كانت الجزائر تنتقد بشكل متواصل " تحبيذ مالي للحل العسكري بدل الحوار والتفاهم"

وأدى استقبال قادة هذه الحركات في الجزائر إلى سحب باماكو سفيرها، وهو الموقف الذي ردت عليه الجزائر، لينتهي الأمر بشكل صارم بخروج باماكو من اتفاقية الجزائر.

ولا يمثل هذا الخروج حالة استثنائية في تصرفات الحكومة المالية، التي تحررت لحد الآن من كثير من العلاقات والمواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية التي يرى فيها أنصار العقيد عاصيمي كويتا أغلالا في عنق باماكو ومنها على سبيل المثال:

-         مراجعة الاتفاقيات الأمنية مع فرنسا وطرد قواتها من مالي

-         إنهاء مهام البعثة الأممية في مالي وطرد قواتها من مالي

-         الانسحاب من مجموعة دول الساحل

-         الانسحاب من مجموعة الإيكواس

-         وأخيرا الخروج من اتفاقية الجزائر

ويعني ذلك أن باماكو تشعر بقدرتها على ملأ الفراغ الهائل في السياسة والأمن في شمالها الملتهب، وأن سندها الروسي قادر على بسط النفوذ على كامل الأراضي المالية

أوراق كثيرة بيد الجزائر

لا يمارس الجزائريون السياسة والعلاقات الدبلوماسية غالبا بكثير من الهدوء والصمت، وغالبا ما تكون الأزمات بينهم وبقية العالم صارمة وكثيرة الصخب، إلا أن الأزمة مع مالي تأخذ أكثر من بعد خطير بسبب التداخل الحدودي والعرقي، ويمكن أن يكون هذا التداخل ورقة قوة ونقطة ضعف للجزائر في وقت واحد، ومن أبرز تلك الأوراق:

-   ورقة القوى المسلحة: في الشمال حيث ترتبط مختلف هذه الحركات بغض النظر عن انتماءاتها بمستوى من العلاقات مع الجزائر ذات النفوذ القوي في المنطقة، والدور الاستخباراتي الفعال، ولطالما نظرت بعض القوى السياسية في المنطقة إلى أن حركة السلاح والعنف في المنطقة، قد تتحول مع الزمن إلى زناد بيد الجزائر تعاقب بها من تشاء من  أنظمة المنطقة، بعد كانت لهبا يحرق الأرض الجزائرية.

-   ورقة التنسيق مع القوى المناوئة لباماكو: والتي كانت علاقتها متعثرة جدا خلال السنوات الماضية مع الجزائر، و كانت تعارض بقوة الاستراتيجية الفرنسية والأممية تجاه منطقة الساحل، وسيؤدي توتر العلاقة بين الجزائر وباماكو إلى تعزيز فرص التقارب بين مختلف خصوم " كويتا"

وبين تلك الأزمات المختلفة، يبدو في الأفق صديق مشترك يمكن أن يضيق شقة الخلاف بين الطرفين وهو روسيا التي تعتبرها الجزائر الآن "صديقا منحازا" إلى خصم متقلب المزاج.

نقلا عن موقع الفكر الموريتاني .