يتحدّث الجميع عن الوحدة الوطنية، لكن القليل فقط يبذل جهدًا حقيقيًا لتجسيدها. بل إنّ أغلبنا يعمل — عن قصد أو عن غير قصد — لمصالحه الشخصية أو الفئوية أو الإثنية أو السياسية، على حساب هذه الوحدة الجامعة.
إنّ كثيرًا من مظاهر الفرقة التي نعيشها اليوم تعود أساسًا إلى ضعف مؤسسات الدولة، وعدم فعالية الخدمات الحكومية، وقصور البرامج والمشاريع العمومية، إضافة إلى غياب العدالة في توزيع الثروات والخدمات، وفي الاكتتابات الوظيفية والتمثيل السياسي.
ولعلّ رجوع المواطن إلى التمسك بالهوية القبلية أو الإثنية أو الشرائحية، أو الارتهان للولاء السياسي من أجل الحصول على حقوقه أو امتيازاته، خير دليل على فشل الدولة في تسيير علاقتها بالمواطنين على أساس معايير موضوعية وقوانين وإجراءات إدارية لا تقبل التأويل ولا الانحراف مهما كان مصدره أو غايته.
لقد عشنا منذ الاستقلال كثيرًا من الاختلالات والتقصير وضعف الرؤى في وضع تصوّر فعّال لحلّ المشاكل المطروحة وتلبية الطموحات المشروعة لجميع مكوّنات شعبنا، حتى أصبحنا اليوم أمام أزمة حقيقية من الانفصام الاجتماعي، وخطابات الشرائحية والإثنية، وانتشار سموم الكراهية ومظاهر الاحتقان.
إنّ أول دعائم الوحدة هو الدين الإسلامي الذي قرّر المساواة، وثبّت الحقوق والواجبات، وألزم الجميع بالتآخي والتعاون والاحترام المتبادل.
ومن دعائم الوحدة كذلك المواطنة الصادقة، بأن نعطي الوطن كل الولاء، ونحرص على حمايته، ونجعل الشأن العام فوق كل اعتبار، ونُشِيع العدالة، ونُطبّق القانون على الجميع بلا تمييز.
ومن مرتكزات الوحدة إنهاء الغبن والتهميش والإقصاء والظلم، ومحاربة روح الازدراء والتعالي والتكبر.
ومن مسهّلات الوحدة انخراط جميع المكونات الوطنية في منظمات مدنية وحدوية: من أحزاب ونقابات ومنظمات مهنية وغير حكومية، حقوقية وتنموية وثقافية، إضافة إلى الطرق الصوفية ذات الدور الروحي والاجتماعي.
كما أن التعايش في القرى المختلطة، وتنامي التصاهر الأسري، وتشابك المصالح المشتركة، وتنظيم المواسم الثقافية الجامعة، كلها عوامل تساعد على التعارف والتفاهم وتعزيز الوحدة، وتحدّ من الفوارق.
وتمثّل اللغة عنصرًا أساسيًا في التواصل داخل الحيز الإداري وفي الحياة العامة، ولذلك لا بد من بذل جهد كبير لتعميم تعليم اللغة الرسمية العربية، مع ترسيم اللغات الوطنية الثلاث الأخرى في المناهج، وخاصة في المدرسة الوطنية للإدارة.
والله ولي التوفيق.
نواكشوط، 1 – 12 – 2025
المصطفى سيدات
الأمين العام لمنتدى قوى الإصلاح والتنمية
.gif)
.jpg)
